خطبة الجمعة بعنوان ولاتقتلوا أنفسكم بالتدخين 
                      
هل سمعتم عن الكليات الخمس ؟ / لا ، ليست هذه التي يقصدها الطلبة / شرعا الكليات الخمس أو الضروريّات الخمس هي :
   " الدين ، والنفس ، العقل ، والنسب ، والمال " .
وهذه الكليات هي التي اتفقت الأديان السماوية وأجمع أنبياء الله تعالى ورسله من عهد آدم عليه السلام إلى محمد صل الله عليه وسلم على وجوب حفظها وصيانتها من كل ما يفسدها أو يتلفها /
حرّم الله أي شيء يلحق ضررا بهذه الكليات الخمس / فما بالك بما يضر بأغلبها ؟ 
حديثنا اليوم عن آفة تضر بالدين والنفس والعقل والمال / حديثنا اليوم عن معصية تمارس في البيوت والشوارع / يمارسها الرجال والنساء بل وحتى بعض الأطفال/ آفة ابتلي بها حتى بعض من أهل الصلاح والفضل/ تباع وتستهلك في العلن ولا يستنكرها أحد .
حديثنا اليوم عن آفة التدخين/ الدّخّان/ التكييف
_ الموضوع لا يهم المدخنين فقط / فإن لم تكن مدخنا – وتلك نعمة احمد الله عليها - فعندك في البيت مدخن / عندك جار /صديق/ زميل / عزيز أو عزيزة عليك تدخن / ولأن المؤمن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه فتحنا هذا الملف وشعارنا قول الله على لسان شعيب : " إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا
      بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ " 
 لن أتناول الموضوع من الناحية الطبية العلمية فلا يختلف اثنان في مضار التدخين ولكن سأتناول الأمر من الجانب الشرعي / سأستعرض معكم  الأدلة الشرعية على ما أصبح شبه إجماع على
 تحريم هذه الآفة :


    _ الأدلة من القرآن على تحريم الدّخّان :


1) قال تعالى { وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ  إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }  ،
    وهل التدخين يقتل ؟
- تقول الإحصائيات : يُودي التبغ  في العالم كل عام ، بحياة ستة
  ملايين نسمة تقريباً ، وفي تونس 6800 شخصا منهم 800 من
  الإناث يموتون  كل عام بسبب  الأمراض القاتلة الناتجة عن
  التدخين .
 وشهد شاهد من أهلها : أليس على كل علبة قد كُتب بالخط العريض : التدخين قاتل/ يا سبحان الله  المعمل يقول : بضاعتي تقتل / وما زال عندك شك في أن التدخين يقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق .
2) الدليل الشرعي الثاني : قال تعالى متحدثا عن النبي :
     { ..يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ
      وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ..} ، [ الأعراف ] .
في أي خانة تُصنّف من رائحته خبيثة وطعمه خبيث وآثاره على أصابعك وعلى لسانك وعلى أسنانك وعلى عيونك خبيثة ؟ ما من عاقل سيقول هو من الطيبات / بالفطرة قبل أن يأكل الإنسان طيبا أو يشرب طيبا يسمّى الله عليه وإذا انتهى منه حمد الله عليه وسأله ان يزيده منه/ هل رأيت أو سمعت من يفعل ذلك وهو يشعل سيجارة ؟  
3) الدليل الشرعي الثالث على تحريم الدّخّان : قال تعالى في
  سورة الأحزاب : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ 
                         مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا }  .


         هل سمعتم بالتدخين السلبي ؟


الدخان الذي يخرج من سيجارتك ومن فمك لا يؤذيك وحدك بل يؤذي كذلك من حولك : زوجتك ، أبناءك ، زملاءك../ كثيرون أصابهم ما أصاب المدخنين وهم لا يدخنون/ ذنبهم أن مُدخّنا جلس بجانبهم  وجعلهم يشمون سمّ سيجارته/ ومن أجل ذلك منع التدخين في الأماكن العامة حتى في الدول التي ليس لها علاقة بالإسلام .
_ أما الأدلة على تحريم التدخين من السنة فكثيرة ، نذكر منها :
1) قول النبي – ص -: " لا ضرر ولا ضرار " ومعنى ذلك : لا تضرنّ نفسك ولا تضرنّ غيرك / والتدخين ضرر وضرار كما بيّنّا / بل إن ضرره يتعدى أهل الأرض إلى أهل السماء فيؤذي ملائكة الرحمن/ قال –ص - : " (( من أكل الثوم , والبصل , والكراث ، فلا يقربنّ مسجدنا ؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )) ، ولك أن تقيس أيها العاقل أيهما أكثر أذى لابن آدم رائحة بصل أو رائحة عقب سيجارة يشتعل ؟
2) وفوق الضرر الصحي والمعنوي ضرر مادّي عشرات الدنانير تُحرق كل شهر ليحرق بها المدخن بدنه ويحرم منها أهله وبيته / شراء الدخان معصية مضاعفة : تبذير في الحرام وتضييق على العيال ستسأل عنه بين يدي الجليل المتعالي : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ، قال –ص-: " لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ (منها ) عن جسدِهِ فيما أبلاه ..ُ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ " .


           - هذا السؤال فأعدّ للسؤال جوابا -


3) دليل ثالث : عن أم سلمة قالت نهى رسول الله صل الله عليه وسلم عن كل مُسكر ومُفتر/ والمفتر هو كل ما يسبب الفتور والإرتخاء / وحتى تتأكد من الفتور الذي يسببه التدخين ، انظر آثار أول سيجارة بعد الصوم وما تحدثه في الرأس من دوار وفي الجسم من ارتخاء .
ويكاد علماء المذاهب الأربعة يجمعون على تحريم التدخين فمن أقوال المالكية قول أبي زيد عبد الرحمن الفاسي : ،.. أنَّ الدُّخَان المذكور حَرام الاستعمال/ ومن الحنفيَّة : قول الشيخ محمد العيني " الآثار النقليَّة الصحيحة ، والدلائل العقلية الصريحة ، تُعْلِن بتحريم الدُّخَان..
_ ومن علماء الشافعية قال ابن علان في رسالته : لأنَّ كلَّ ما غيَّر العقل بوجْهٍ من الوجوه ، أو أثَّر فيه بطريقة تناوله ، فهو حرام . وقد اتَّفق علماء الحنابلة على تحريمه ومن أقوالهم : " لا ريبَ في خبث الدُّخَان ونَتنه/ وتحريمُه ثابت بالنقْل الصحيح والعقل الصريح ، وكلام الأطباء المعتبَرين .."
ما الذي بقي حتى تقتنع بأن هذه السيجارة أعظم آفة ؟ 
وأن هذه الآفة حرام حرام حرام  فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ .
 اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه واغفر لنا ضعفنا وإسرافنا في أمرنا / لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


         { وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ } ، ....( التدخين ) - 2


الحمد لله رب العالمين وبه أستعين والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه الطيبين/ اللهم استعملنا ولا تستبدلنا واجعلنا ممن قالوا سمعنا وأطعنا يا رب العالمين .
« كل ابن آدم خطاء... » والخطاؤون صنفان صنف وعدهم الله بمغفرة وجنة عرضها السماوات والارض/ هم الخطاؤون الذين قال فيهم ربّنا : ..{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ،
ليس غريبا أن تقع في الذنب ثم تتوب وتندم مرة ومرة فيغفر الله لك مرات/ ولكن المصيبة أن تقع في المعصية وتُصرّ عليها وتُطبّع معها وتستهين بها فتجاهر بها أمام الخلق .
_ والمجاهرون هم الصنف الثاني من الخطائين الذين قال عنهم
    - ص - كُلُّ أَمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ المُجاهرينَ .
الدّخّان حرام / والتدخين معصية وجلوسك على ناصية مقهى تدخن شيشة ، مجاهرةٌ بالمعصية وإشعالك سيجارة وسيْرك بها في الطريق ، مجاهرةٌ بالمعصية / وبيعك أو شراؤك أو إهداؤك للدخّان بأنواعه ، مجاهرةٌ بالمعصية .


           { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ } 


                                     لماذا تدخن ؟


لو طرحت هذا السؤال على المدخنين لكان الجواب موحدا :
  المشاكل / المشاغل/ التخمام / الغم و الهمّ / قال الله :
              { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ } ، ( مشْ للدّخّان )
إذا أصابك همّ أو ضيق أو غمّ فالملجأ هو الله وكلام الله وليس
  سيجارة تغضب الله 
يقول جعفر الصادق رحمه الله : "عجبت لمن خاف ولم يفزع الى قوله ( حسبنا الله ونعم الوكيل  فإني سمعت الله في عقبها يقول
    { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء }
وعجبت لمن اغتم كيف لا يفزع الى قوله تعالى { لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين } ، فإني سمعت الله في عقبها يقول { فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين }
          { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا } .
التوبة عبادة / ولا تُقبل العبادة إلا إذا كانت خالصة لوجه الله/ إذا قررت أن تتوب من آفة التدخين فلا تكن توبتك لأن التدخين مهلكة للصحة وهو كذلك ، ولا لأنه إسراف للمال وهو كذلك ، ولا إرضاء لأحد ولا خوفا من أحد ، لتكن توبتك لوجه الله الواحد الأحد .
أما إذا لم تكن من المدخنين فاحمد الله الذي عافاك وبلغ أخاك/ بلّغ ما سمعت لمن استطعت ف ( لأنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا ، خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ) صدق رسول الله 
اللهم اهدنا واهد بنا / واهد أزواجنا وذرياتنا وارحم آباءنا وأمهاتنا وارحم من علمنا وارحم من تسبب في جمعنا هذا يا رب العلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخبث والخبائث ونعوذ بك من شرور أنفسنا
 وسيئات أعمالنا .